السبت، 26 ديسمبر 2009

ذكرياتُ شخصٍ يتمشَّى!!

ذكرياتُ شخصٍ يتمشَّى!!

في مكانٍ ما من وطنِ الغُربة وحيثُ كنتُ أقرأُ كتاباً في الطبِّ مُسنداً رأسي إلى النافذةِ، في أجواء خريفيةٍ جميلةٍ صحِبت معها درجة حرارةٍ قُدِّرت بخمس عشرة درجةٍ مئويةٍ، وصحبت معها رذاتٍ لطيفةٍ من الرحمة والبركة، بما تعارف الناسُ على تسميتهِ مطراً، قررتُ ترك المذاكرةِ قليلاً لأتمشَّى في ذلك الجو الهادئ ولربما وجدتُ مكاناً مناسباً أقرأُ فيه كتابي خارج المنزل.


لبستُ معطفي الأسود الطويل، وكذلك أدفأتُ قدميَّ في حذائي الأسود طويلِ العُنق، وأخذتُ مظلتي السوداء طويلة الذراعِ؛ أتوكَّأُ عليها، وأحتمي بها من اشتداد المطرِ، وليس فيها من المآرب الأخرى سوى دهشةِ رفاقي من رؤيتي دوماً أحملُ في المطر مظلةً!
أتعجبُ من دهشتهم وضحكاتهم.. فهي متكررةٌ كلما شاهدوني ومظلتي تصدُّ المطر عني، فلربما تصوروا شكلي ومظلتي يُوحيان بسائحٍ إنجليزيٍّ عاش حياتهُ في مدينة الضبابِ "لندن".. ولذلك فهو لا ينساها أبداً في أي يومٍ مُمطرٍ.. على الرغم من أنهُ أمضى جُلَّ عُمرهِ –كما هم- في الجزيرة العربية لا يرون المطر حتى في المناسبات السعيدة إلا قليلاً!
لكن الأعجبَ من ذلك هو أن أرى هؤلاء الطيبين يركضون مهرولين تحت اشتدادِ المطرِ بحثاً عن مأوىً يقيهم البلل!
أياً كان.. ذلك الشكل جزءٌ من شخصيتي..


مضيتُ في السوقِ أبحثُ عن وكالة الساعات السويسرية الشهيرة "West End Watch" لأُعالج ساعتي القديمة من وعكةٍ صحيةٍ سببت دخول الماء إلى جوفها ومع ذلك فلا زالت تعملُ !بكفاءةٍ! تلك الساعة لم تُفارق يدي لغير الاستحمام طوال أحد عشر عاماً من إهداءها لي.. فهي عزيزةٌ عليَّ كجزءٍ من جسدي، وبالكاد أصبرُ على وقت صيانتها..
رجلٌ عجوزٌ في قسم الصيانة تفحَّصها بدقةٍ، وشخَّص مرضها، ووعدني بالعلاج، وطلب مني العودة لاستلامها بعد ثمانية أيامٍ!
انزعجتُ لهذا الوقتِ الطويلِ، لكنهُ تعذَّر بكثرة الطلباتِ لديه.. فلم يبق لي خيارٌ سوى الانتظار..
- كم تُكلِّفُ صيانتها؟!

أجاب بثقةٍ بمبلغٍ يُعادلُ سبعةَ عشر دولاراً ونصف!

وجدتهُ مبلغاً كثيراً بعض الشيء لعطبها البسيط.. لكن لغلاها لدي فالمبلغُ هيِّنٌ..
نزلتُ إلى قسم المبيعاتِ لأسال عن واحدٍ من أبناءها يشبهُ أمهُ تماماً، فأجاب البائعُ:
- بثلاثمائة دولارٍ!

أكملتُ جولتي في وكالتهِ وخرجتُ مُندهشاً من أن سعرها تضاعف خلال الأحد عشر عاماً الماضية أكثر من ثلاثة أضعافٍ!

تجوَّلتُ في السوق ساعةً.. ثم ذهبتُ لتناول العشاءِ وحيداً.. وليس ذلك بغريبٍ على شخصٍ عشق الوحدة أكثر من عشقهِ لأيِّ فتاةِ وقعت عينهُ عليها!
في الموضوع ذاتهِ أتذكَّرُ في العام الجامعي الثاني حينما كنتُ مشرفاً على أحد المجلات الطلابية الخاصة بدفعتي حين وصلتني مشاركةٌ من إحدى الزميلات، وكانت عن تعريفاتٍ صاغتها بطريقةٍ خاصةٍ بدأت بتعريفها الأول:
الأعزب:
شخصٌ وقعَ في غرامٍ شديدٍ مع نفسهِ!

بصراحةٍ، لقد أخذت مني مأخذاً عظيماً وجعلتني في حيرةٍ شديدةٍ.. ولكن أغلب شعوري كان أنها "تكسر الخاطر"!!!


توجَّهتُ إلى مطعمٍ مناسبٍ، وانتصفتُ في تناول العشاء حين اتَّصل بي أحد أعز أصدقائي وقطعتُ لأجلهِ عشائي مدة خمس دقائقٍ ونصف، لحكايةٍ مؤلمةٍ سأرويها لكم لاحقاً بإذن الله..

أنهيتُ عشائي، وهَفَتْ نفسي إلى مكانٍ مكتنزٍ بالخضرة والأشجار؛ إذ لا شيء يُبهجُ قلبي ويؤنسُ روحي أكثر من تلك الخضرة البهيَّة.
أخذتُ أسيرُ مُتَّكئاً على مظلتي ككهلٍ جاوز الستين.. ولكنها مُتعةٌ جميلةٌ لمن يُجرِّبُ المشي مع شيءٍ كالعصا أو نحوهِ دون بليةٍ في جسدهِ..
سرتُ إلى تلك الحديقةِ الجميلة المليئةِ بالحياة.. أشجارٌ باسقةٌ، وحشائشُ ممتدةٌ، وأطفالٌ يمرحون ويلعبون..
في الجوار مطعمٌ شهيرٌ على مستوى العالم.. وفي الحديقةِ فرعٌ لمتجرٍ عالميٍّ أيضاً لبيع البوظة أو ما قيل عنهُ "الآيسكريم"..

طلبتُ من البائع تزويدي بكوزٍ من بوظة "الشوكولا" المفضلةِ لدي.. فانهمك الأخيرُ بإعدادها، وانهمك على حينِ غرةٍ قريني يوسوسُ إليَّ قائلاً:
- كم أنت سعيدٌ بالوحدة! لو كانت معكَ الآن خطيبةً أو حبيبةً لكنت أمضيتَ عُمركَ في دفعِ كل ما تشتهيهِ مُضاعفاً.. أما بوحدتكَ فأنت تشتري لنفسك من كل شيءٍ واحداً فقط!

همستُ إليهِ وقد أخذتني ضحكةٌ عميقةٌ:
- خذلتني فيما قلتهُ يا بعبوط! إذ لو كانت لي واحدةٌ مما قلتَ فليس شيءٌ أحبَّ إلى القلبِ من الدفع مضاعفاً!

تلفَّتُّ حولي لبرهةٍ ثم عدتُ إليهِ هامساً:
- لكنك تبدو محقاً في كوني الوحيدَ هنا بلا رفيقةٍ!

أخذتُ نصيبي من بوظة "الشوكولا"، ونأيتُ بمكانٍ لا ينتبهُ إليهِ الأغلبُ بعد أن عجزتُ عن إيجادِ مقعدٍ فارغٍ بجوار الأشجارِ..
وقفتُ في مكاني أتلذذُ بالنكهةِ اللذيذةِ للبوظةِ، وأيضاً برؤيةِ الأطفال يمتلئون حيويةً ولهواً..
بقيتُ أُراقبُ الأطفالَ في لعبهم.. وعلى بعدٍ لم أستطع معهُ التمييز مجموعةٍ أخرى من المراهقين.. فتياناً وفتياتٍ.. كثيرين في العدد.. واقفين في الهيئة.. يتحدثون مجتمعين.. يتمايلون على بعضهم.. فلا هم وقفوا ولا هم جلسوا! لكنهم كانوا يبدون أنهم على سعادةٍ يضحكون..
أكملتُ تناول نصيبي وُقوفاً، وهممتُ بالعودة بعد أن تذكَّرتُ نسياني لإحضار ذلك الكتاب الطبي.. فحرَّكتُ قدميَّ خارجاً، وبدأتُ أنتبهُ إلى جمعٍ من الأطفال ليس كأولئكَ الأطفال السابقين.. لا يلعبون مثلهم.. بل وقفوا من خلف بضائعهم يبيعون ما يُسلُّون به أولئك الأطفالَ المُترفين.
بعضهم يبيعُ "فشاراً".. وآخرُ "ذُرةً".. وذلك "مُكسراتٍ".. وبعضهمُ ألعاباً، وعند أحدهم وقفتُ أتأمَّلُ شكل ألعابهم.. كم هنالك من الفرق بين تلك الألعاب البسيطة التي كُنا نلعبُ بها في صغرنا، وبين هذه التي أراها الآن.. حتى "البالونات" الآن فيها من الألوان والتقنيات والتعرُّجاتِ والالتواءاتِ ما لم نرهُ في صِغرنا..

أدبرتُ ظهري خارجاً من الحديقةِ وأنا أتأمَّلُ مشهدين:
مشهدٌ لأطفال يتناولون أشهى وأشهر المأكولاتِ في العالمِ، ويزيدونها تحليةً بالبوظة الأشهر أيضاً، ويكملون عليها دفعاتٍ من "الفشار" و"الذرة".. ويشترون ما شاءوا من الألعابِ، ويترفهون أيضاً بألعاب الترفيه الأكبر حجماً كعرباتِ القطار.. وما شابهها..
هؤلاءِ الأطفال ملابسهم جميلةٌ ونظيفة.. يلعبون بحيويةٍ.. المراهقون منهم بنعومة الفتياتِ في اللباس والحركة والكلامِ.. والنساء متزيناتٍ بكل ما عرفنهُ إلى الحُليِّ والثياب و"الماكياج" سبيلاً!
ومشهدٌ في الحديقة ذاتهِ لوجوهٍ بائسةٍ، وثيابٍ باليةٍ، وملامح خشنةٍ.. يعكفون على تنعيمِ أطفال الطبقة المترفة!
مشهدٌ عجيبٌ فعلاً.. كم في هذا العالم من الظُلمِ والتمييز والطبقية!
ليس حراماً على من آتاهُ الله المال أن يتمتع به في الحلال.. وليس حراماً على من حرمهُ الله من كثرتهِ أن يسعى في طلبهِ بالقربِ من أولئكَ الأغنياء بالحلالِ أيضاً! لكن هل تظنون أنه لو دُفعت أموال الزكاة لسد حاجةِ أولئكِ المتعسرين فهل ستبقى تلك الوجوهُ البائسةُ على حالها؟!
هذا العالم القائمُ على منع الزكاة وتكثير المال بالربا والرشوة.. يتَّجهُ يومياً إلى ذلك الشكل المظلم من الطبقية.. غنيٌّ مترفٌ.. وفقيرٌ معدمٌ.. إلاَّ من رحم الله..

حتى لو دُفعت الزكاة فقد يستمر مع ذلك الفقراءُ في بيع أدوات الترفيهِ من الألعاب والأطعمة الخفيفةِ للأغنياءِ؛ لأنهم وجدوا المُتعة في بيعها.. ولكن دون تلك الوجوهِ المُكفهرَّة!
وتبقى السُّنة (ليتخذ بعضكم بعضاً سُخرياً)..

همزني بعبوطٌ قائلاً: أسرع إلى البيت لتكتب مقالكَ قبل أن تنساه!
عدتُ كما ذهبتُ مُتكِّئاً على مظلتي.. ما أطيب الاتكاءَ على العصا مع العافية!




د. ضياء مطر
Master Key
6/11/2008

الاثنين، 7 ديسمبر 2009

أولى رواياتي.. أريد أن أغازلَ مثلكِ!! ... الآن في الأسواق.





كانت تجربتي الأولى.. الرواية الواقعية: أريدُ أن أغازلَ مثلكِ!
تلك الرواية التي تابعتُ فصول أحداثها بسند الرواية والمشافهة والمعاينة لمعظم أبطالها.
روايةُ الحبِّ والتضحية.. والتي لن يستطيع كاتبٌ مهما أوتيَ من مَلكَة البيان وجودة الرصف أن يأتيَ بوصفها؛ لأنها تقدير من حكيمٍ عليم. ولذلك اجتهدتُ وكتبتُ ما استطعتُ من أحداثها الواقعية وتركتُ الخيال لما لم أشاهدهُ وعرفتهُ من أحداثها.
واليوم نزفُّ لكم بشرى نزولها إلى الأسواق السعودية بتوزيع دار طويق.
من هذا المكان الكريم، أشكر كل قارئٍ حفز هممنا للاستمرار في كتابتها بالرغم من ضيق الوقت والانشغال.
أشكر كل كريمةٍ راسلتنا بانتقاداتها وآراءها حتى بعد أشهر من إنهائها.
أشكرُ كلَّ من حفزنا لطباعتها..
واليوم أحتفل بكم وبها سويةً فأنتم هديتي وهي هديتي إليكم.. راجياً من الله القبول والتوفيق والسداد.
وبكل الحب والمودة: تهانينا!





د. ضياء مطر
Master Key
20/12/1430هـ
7/12/2009م