
قبل أيامٍ حملتُ كتابي، وذهبتُ إلى حديقتي المفضلة، أشتري من البوظة، وأتمتعُ بأكلها، بينما أُقلِّبُ صفحاتِ الكتاب، على شيءٍ من شغبِ الأطفالِ، وحركتهم، والتي تُبهجُ النفس؛ لاسيَّما إن كُنتَ عازباً!
ولا أخفيكم سبباً آخر أنني بذهابي للحديقة فإنني أُحرِّكُ ظهري الذي قتلني ألماً، إذ مما جرى بهِ قدر الله على أي عاشقٍ معتكفٍ للكتب أو للحاسوبِ أن يعاني آلاماً مزمنةً في الظهرِ، تستوجبُ العلاج الطبيعي، وهذا ما أفتقدهُ في ديار الغربة؛ إذ أن أكثر المراكز المختصة بالتدليك إن لم تكن كُلُّها تقومُ عليها مشبوهاتٌ غانياتٌ من دول شرق آسيا، يجلسن على مداخلِ تلك المراكزِ بوضعياتٍ مريبةٍ، وكأنهنَّ يُعلنَّ عن كلِّ شيءٍ عدا التدليكِ، ناهيك عن أن تلك المراكز تُباعُ فيها الخمورُ، ولا شكَّ بأنَّ هذه البيئة لا تناسبني.
ولذلك فقد صبرتُ على الألم أكثر من أسبوعين ولم أجد من يدلكني ويريحُ ألمي، وحتى مسكِّناتُ الألم لا تجدي معي نفعاً، والأغربُ لطبيبٍ مثلي أن أدوية التنويم أيضاً لا أستجيبُ لها، بل أشعر أنها تساعدني على الاستيقاظ! والسببُ لديَّ مجهولٌ، فلم أدخن قطُّ ولم أتعاطى المخدِّراتُ يوماً من حياتي والقهوةُ أتعاطاها –على عشقها- بحذرٍ! لكن يغلبُ ظني وكما لا يصدق الكثيرون أنني في العادة أنامُ وعقلي يُفكِّرُ، وعليه فجسدي يرفضُ النوم أصلاً إلاَّ ما أُكرهَ عليهِ!
كنتُ أقولُ في موضوع الحديقة، أنني وأثناء جلوسي في زاويةٍ منها على أحد المقاعدِ رأيتُ قطاً على بُعد أمتارٍ مني يعبثُ ويلعبُ كعادة أي قطٍّ، وبحكم خبرتي في مصادقة القطط –إذ صدف أنني أسكنتُ قطاً في غرفتي بالسكن الجامعي لشهور طويلة-فقد أشرتُ للقطِّ بحركاتٍ تدعوهُ لأني يأتي نحوي، وبالفعل استجابَ وأتى.
أخذتُ أداعبهُ، وأمسحُ رأسهُ -وذلك مما يُسعدُ القططَ كثيراً-، ثم ما لبث أن انطلق على إثرِ كيسٍ حرَّكهُ الهواءُ، ثُمَّ عادَ إليَّ ثانيةً، وهذه المرة ليس على الأرضِ، بل صعد على الطاولةِ، ووضع جسدهُ على كتابي، وأدنى رأسهُ من يدي، ففهمتُ أنهُ يريدُ أن أداعبَ رأسهُ ثانيةً، ففعلتُ ذلكَ، بل أخذتُ أفركُ رأسهُ وفروهُ، فيبدو أن ذلك أعجبهُ! فكنتُ كلما رفعتُ يدي عنهُ أدنى رأسهُ أو جذعهُ من يدي، مُستحثَّني على التدليكِ!
بقيتُ ما يقربُ من الربعِ ساعةٍ تقريباً وأنا أُدلِّكُ السيد قط، وأقول لهُ:
- خذ راحتك يا أبا الشباب، أبحثُ عمَّن يُدلِّكني، فأنتهي بتدليككَ!

ثم يبدو أن القِطَّ استراحَ، فقام عن الطاولةِ وولى، وربما لأنني انشغلتُ عنهُ بمكالمةٍ هاتفيةٍ.
تركتُ الكتابَ، وأخذتُ أتأمَّلُ الموقفَ مفكِّراً:
قلتُ: إنَّ الله يُثيبُ في إطعامِ الحيوانِ (وفي كُلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ). فهل في تدليكُ هذا القطِّ ومداعبتهِ يا تُرى أجرٌ؟!
قد يكونُ التدليك من باب الكماليات بالنسبة للحيوان، وليس إنساناً ليكون فيهِ دليل (.. وإدخال السرور على قلبِ أخيكَ المسلم..).
فضحكتُ وعدتُ إلى منزلي عجباً من حال التفكُّر، وعزمتُ على بحثِ المسألة!
نسيتُ الأمر في زحمة الحياةِ والأيام..
تذكرتُ الموقفَ بالأمسِ، وتلمَّستُ ظهري، أين الألم؟! لم أعد أشعرُ بهِ، بل إنني نسيتُ أمرهُ، ويبدو أنهُ غادرني منذُ أيامٍ ولم أشعر بذهابهِ!
حمدتُ الله، وعرفتُ أن كرم الله وفضله أوسع من مقاييس البشر وتصوراتهم، وعزمتُ على هذه الخاطرة!
ضياء مطر
Master Key
15/5/1430
9/5/2009

هناك تعليقان (2):
تحضـرني هنا قبل مـده عندمـا كنا في رحـاب بيتنـا في غزة وعلـى أصـوات تدفق الأمطـار إذ سمعنا طـرقا ع باب البيت .. فكـان رزق تلك القطه لتنعم بنوم ليلتين في بيتنا .. لكن ماأثار انتباهي انها لم تكن تعرف للنوم سبيلا حتى تتلحف بأغطيه الشتـاء التي كنا نلتحفها ، والأروع من ذلك كنا نسمع لها ( شخيـرا) بعد أن تستغرق في النـووم .. فلا عجب أن تبحث عمن يدلك لها ظهـرها أخي ضيـاء .. إذ هي في نظـري اقرب مايكون في تصرفاتها للإنسان ..
بــورك قلمـك .. ودمت متميـزا به كمـا عهدنـاك ..
سبحان من خلقها وهداها..
القط على أية حالٍ حيوانٌ ذكيٌّ ومرحٌ للغاية ولن نستغرب منه أي تصرفٍ.
بوركت أختي.. ودمتِ قارئةً.
إرسال تعليق